الراحل محمد سعيد عفيفي : فارس المسرح المغربي
كانت البداية الفنية الحقيقية للفنان الراحل محمد سعيد عفيفي خلال سنوات الستينيات من القرن الماضي مع فرقة المعمورة حيث برز كممثل يتمتع بمؤهلات كبيرة، وطبع بشخصيته دور “عطيل وهامليت” في رائعة شكسبير.
وفي وقت يرى البعض أن الراحل بيضاوي النشأة، يؤكد بعض من كتبوا عن مسيرة هذا الفنان، أن محمد سعيد عفيفي ولد في 25 دجنبر من سنة 1935 بالجديدة من أبوين دكاليين، حيث بدأ مساره الفني الحقيقي مع فرقة (التمثيل المغربي) كما قال زميله في المسرح الراحل أحمد الصعري.
وبرز عفيفي ممثلا يتمتع بمؤهلات كبيرة، استطاع عبرها طبع الأعمال التي شارك في أداء أدوارها بشخصيته المتميزة، ومنها دور “عطيل وهامليت”. كما ساهم في إعطاء روح جديدة ونفس جديد للمسرح المغربي في أعمال مثل: “الشرع عطانا ربعة” و”عمايل جحا” و”الشطاب” و”لمعلم عزوز” وغيرها من الأعمال المسرحية.
وفي سنوات السبعينيات، شغل منصب مدير للمسرح البلدي بالجديدة، الذي غدا بعد رحيله يحمل اسمه، عرفانا بما قدمه للمجال الفني بشكل عام، وللمسرح أب الفنون على وجه الخصوص.
بدأ الفنان محمد سعيد عفيفي، مساره الفني مع فرقة الشبيبة الوطنية، التي أطلق عليها اسم المعمورة في ما بعد، وأخرج العديد من الأعمال المسرحية، ومثل في البعض منها، وعلى رأسها مسرحية “هاملت”، سنة 1956، ومسرحية “الواقعة”، لعبد الله شقرون، التي تتحدث عن تحرير مدينة الجديدة من الاحتلال البرتغالي، ومسرحيات “مريض خاطرو”، و”الثري النبيل”، و”عطيل”، و”العض على الحديد”، المقتبسة من عمل للمفكر المغربي الراحل، محمد عزيز الحبابي، وغيرها من الأعمال، خلدت اسمه في ريبرتوار المسرح المغربي.
بمسرح الجديدة أنتج الراحل عفيفي أعمالا مسرحية مهمة من قبيل “السوانح” و”التكعكيعة” مع الفنانين الراحل محمد بنبراهيم ومحمد الدرهم ومحمد شهرمان…
وفي منتصف السبعينيات، التحق بالمعهد الملكي للموسيقى بالدار البيضاء حيث اشتغل أستاذا للمسرح بالقسم العربي وتتلمذ على يديه عدد كبير من الممثلين الشباب.
وفي بداية الثمانينيات، أصبح محمد سعيد عفيفي مديرا لفرقة “مناجم جرادة” حيث أخرج عددا من المسرحيات المتميزة من بينها، وقد قدم خدمة مهمة للمنطقة التي أصبحت تتوفر على مركز ثقافي وكون جيلا من الممثلين عبر القيام بجولات على الصعيد الوطني. كما شارك في أعمال تلفزيونية وسينمائية من بينها فيلم “السراب” للمخرج أحمد البوعناني، فيلم “حلاق درب الفقراء” للمخرج الراحل محمد الركاب، وفيلم “فيها الملحة والسكر وما بغاتش تموت” للمخرج حكيم نوري.
يوصف الفنان الراحل “محمد سعيد عفيفي” بأنه كان “ممثلا شاملا يمتلك نفسا قويا وصوتا متميزا وموهبة في مخارج الحروف، إذ كان يجود القرآن الكريم قبل التحاقه بالمسرح. كما كان يمتلك جسدا رياضيا ويعزف على آلة الكونترباس”.
شغل الفنان الراحل، الذي كان أول من منح أدوارا للمكفوفين في مسرحياته، منصب أستاذ للمسرح بالدارالبيضاء، ومديرا للمسرح البلدي بالجديدة، وحظي بالعديد من التكريمات والتوشيحات، كان أبرزها توشيحه من طرف جلالة الملك محمد السادس في إحدى المناسبات، وتكريمه، رفقة زمرة من المسرحيين المغاربة والعرب، والأجانب، في البينالي الدولي لمسارح العالم بالرباط.
تشير السيرة الفنية لسعيد عفيفي إلى أنه خضع خلال مراحله الفنية الأولى للعديد من التكوينات والتداريب داخل المغرب وخارجه بداية من سنة 1952 بالمعمورة مرورا بمدرسة الكراكيز تحت إدارة “إيف جولي” وتدريب الميم تحت إشراف “مارسيل مارسو”، وثالث بالمسرح الوطني الشعبي بقصر الشالو ورابع ب”أوديون تياتر” بفرنسا وخامس بالمسرح الوطني بلندن.
تحمل ما بين 1962 و1968، مسؤوليته كأستاذ للفن الدرامي بالمعهد الوطني بالرباط، وتكلف بالتكوين في مجال المسرح التجريبي بمدرسة مركز الأبحاث الدرامية التابع لوزارة الشبيبة والرياضة، ومدير للتدريب الوطني الدرجة الأولى بالمعهد البيداغوجي بالمعمورة والتدريب الوطني لفن الدمى المتحركة (الكراكيز).
وشغل ما بين 1969 و1974، منصب مدير المسرح البلدي بالجديدة وهو ما مكنه من إنتاج أعمال مسرحية مهمة… وأحدث خلال المدة ذاتها، ورشة للتكوين في مجال المسرح، كما أنه كان أستاذا متخصصا في فن “الميم” وكان له إلمام كذلك بالمسرح الياباني لكونه قضى فترة في المسرح الياباني.
التحق ما بين 1981 و 2005، بالمعهد الملكي للموسيقى بالدار البيضاء، واشتغل أستاذا للمسرح بالقسم العربي، وتتلمذ على يديه عدد كبير من الممثلين الشباب، بالإضافة إلى أنه عمل سنتي 1990 و1991 كأستاذ بالمعهد العالي للفن الدامي والتنشيط الثقافي بالرباط.
وبالبيضاء عمل على تكوين فرقة غريبة كما سماها رفيق دربه، أحمد الصعري وأطلق عليها اسم “فرقة لغير المبصرين”، عمل فيها على تأطير مجموعة من الشباب غير المبصرين وعلمهم كيف يتعاملون مع الركح وكيف يعملون على إخراج عمل مسرحي. ومنح أدوارا لمكفوفين في مسرحياته، منها مسرحية “مونصيرا” …
وفي المجال السينمائي، كانت أول تجربة له مع المخرج جان فليشي في فيلمه القصير “الكنز المخزون” سنة 1954، وفي سنة 1961، عمل في فيلم “أبناء الشمس” للمخرج جاك سفيراك، الذي مثل المغرب في مهرجان “كان” سنة 1962.
ومثل في “الكلاب الخضراء للصحراء” للمخرج الإيطالي أومبيرطو لينزي سنة 1967. وشارك في “الرجل الذي أراد أن يكون ملكا” لجون هوستون سنة 1980 و”شاي في الصحراء” لبيرتولوتشي سنة 1989 و”المومياء” لستيفن سوميرس سنة 1998 و”الباحثات عن الحرية” للمخرجة المصرية إيناس الدغيدي سنة 2004 … كما شارك في فيلم ”عود الورد” لمخرجه لحسن زينون سنة 2006. وكان آخر ظهور له على الشاشة الصغيرة في السلسلة البوليسية “القضية” لنور الدين الخماري.
وشح محمد سعيد عفيفي في 3 مارس 1993 بوسام الاستحقاق الوطني من الدرجة الأولى. وحصل في 14 ماي 1993 من طرف وزارة الثقافة على شهادة الاعتراف والشرف للأعمال الجليلة التي قدمها للفن المسرح. وحصل على ميدالية فيرماي من الأكاديمية الفرنسية سنة 2006 الممنوحة من طرف منظمة (فن.. علوم.. أدب) التابعة للأكاديمية الفرنسية.
وبعد مسيرة حافلة ترجل فارس الخشبة من مسرح الحياة، حيث توفي محمد عفيفي، يوم 06 شتنبر 2009، بعد معاناة طويلة مع المرض.
وبرحيله فقد المغرب بوفاته معلم من معالم المسرح المغربي، إذ يعتبر واحدا من الجيل الأول الذي شغف بأب الفنون، ومارسه بحب، واشتغل فيه ليخلف عطاء زاخرا، حيث كان له حضور متميز فيه، بعد أن تتلمذ على يديه عدد من رجال المسرح ونسائه ، حيث يقول كل واكب تجربته في التدريس إنه “كانت له بيداغوجية سلسة في تلقين المعلومات لطلابه”، هو الذي “كان يركز في التكوين على الأداء الصوتي (فن الإلقاء)، خاصة مخارج الحروف، لأنه كان مجودا للقرآن الكريم بجامع سيدي فاتح بالمدينة القديمة. ليبقى موته كفنان، “موتا مجازيا ورمزيا، لأن الفنان الحقيقي لا يموت”.
منقول عن https://aljadidnews.ma/archives/2020/05/11704/